David_gegen_goliath2
“.. وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب واجتمعوا في سوكوه، واجتمع شاول ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي البطم واصطفوا للقاء الفلسطينيين، وكان الفلسطينيون وقوفاً على جبل من هنا وإسرائيل وقوفاً على جبل من هناك والوادي بينهم، فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات فوقف ونادى صفوف إسرائيل وقال لهم لماذا تخرجون لتصطفوا للحرب؟ أما أنا الفلسطيني وأنتم جنود شاول اختاروا لأنفسكم رجلاً ولينزل إلي. فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيداً.. وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيداً وتخدموننا..”.
هكذا ـ أيها الصديق الذي أعرفه في غزة ـ بدأ الصراع على أرضكم.. مواطنوك الشرفاء يقفون فوق الجبل للدفاع عن حقولهم وأبقارهم، وشاول يقف فوق الجبل المقابل لسرقة الحقول والأبقار، وجدك الشجاع ينتصب مرفوع الرأس في وسط الوادي ويدعو لكي تتخذ العدالة مجراها معتقداً ـ بحسن نية ـ أن العدالة لن تحرمه من لقمة عيشه. ثم خرج إليه سيدك داوود عليه السلام.. أنت لا تعرف داوود، ولكنه كان رسول العدالة، وكان مجرد صبي قليل الخبرة يرعى الأغنام التي يسرقها شاول من المزارع المجاورة. وقد حمل مقلاعه البسيط الصنع، وانطلق إذ ذاك يركض أمام مواطنيه اللصوص لكي يقتل لهم جليات بأمر من الرب “نفسه”. وعندما أقترب منه قال له معيراً أيضاً:
” ..أنت تأتي إليَّ بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل، هذا اليوم يحبسك الرب بيدي فأقتلك وأقطع رأسك وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض..”.
ووقف جدك الشجاع أمامه فاغراً فمه من الدهشة، فقد كان يعتقد أن داوود الصغير السن لا يستطيع في الواقع أن ينفذ تلك المجزرة الدامية بمقلاعه وحده، وكان يريد أن يرده إلى صوابه ويقنعه بالعودة بحثاً عن أغنامه قبل أن يسرقها لص آخر. وقد قال له غاضباً “ألعلي أنا كلب حتى أنك تأتي إلي بعصا” عد لكي تحضر سلاحاً حقيقياً على الأقل لكي تقطع به رأسي. ولكن سيدك داوود عليه السلام لم يتحرك من مكانه، كان يملك مقلاعه السحري في يده، وكان يعرف على وجه اليقين أنه يكفي لإلحاق الهزيمة بالعالم كله، لأن ذلك المقلاع ـ أيها الصديق الذي أعرفه في غزة ـ كان مصنوعاً من سعف نخلة سماوية، وكان مثل كل شيء من إسرائيل مقلاع الرب نفسه.
ثم بدأت المعركة.. جدك الشريف يقاتل بسيفه الذي وفر ثمنه من قوته اليومي لكي يدافع عنك وعن قطعة الأرض، وسيدنا داوود عليه السلام يقاتل بأسلحته السرية التي نزلت عليه من السماء لكي يسرقك أنت ويسرق قطعة الأرض لحساب شاول، فاسمع ماذا حدث من فم “الرب” نفسه:
” ..أسرع داوود وركض نحو الصف للقاء الفلسطيني ومدَّ داوود يده إلى الكنف وأخذ منه حجراً ورماه بالمقلاع وضرب الفلسطيني في جبهته فارتز الحجر في جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض، فتمكن داوود من الفلسطيني بالمقلاع والحجر وضرب الفلسطيني وقتله. ولم يكن سيف بيد داوود فركض داوود ووقف على الفلسطيني وأخذ سيفه واخترطه في غمده وقتله وقطع به رأسه. فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات هربوا فقام رجال إسرائيل ويهوذا وهتفوا وحلقوا الفلسطينيين. فسقطت قتلى الفلسطينيين في طريق شعرايم إلى جت وإلى عقرون. ثم رجع بنو إسرائيل من الاحتماء وراء الفلسطينيين ونهبوا محلتهم، وأخذ داوود رأس الفلسطيني وأتى بها إلى أروشليم ووضع أدواته في خيمته..”.
لوحة داوود يذبح جالوت - بيتر بول روبنس

لوحة داوود يذبح جالوت – بيتر بول روبنس

رسول العدالة يملك رأساً طازجاً في خيمته، هذه نهاية الفصل الأول من حكايتي السماوية أيها الصديق الذي أعرفه في غزة، إنها نهاية رديئة، أنا لا أستطيع أن أنكر ذلك رغم رغبتي في الدفاع عن موهبة الرب في كتابة القصص، ولكنها على أي حال نهاية ربانية من جميع الوجوه، وردت بحذافيرها في كتاب الرب بمثابة مقدمة لملحمة داوود عليه السلام. فدعني أبدأ الفصل الثاني قبل أن يقطع الرب رأسي مقابل شكوكي. “..وسمع الفلسطينيين أنهم قد مسحوا داوود ملكاً على إسرائيل فصعد جميع الفلسطينيين ليفتشوا على داوود. ولما سمع داوود نزل إلى الحصن، وجاء الفلسطينيون وانتشروا في وادي الرفائين وسأل داوود من الرب قائلاً اصعد إلى الفلسطينيين ليدي؟ فقال الرب لداوود اصعد لأني دفعاً أدفع الفلسطينيين ليدك فجاء داوود إلى بعل فراصيم وضربهم داوود هناك وقال قد اقتحم الرب أعدائي أمامي كاقتحام المياه”.
هل سمعت ذلك أيها الصديق الذي أعرفه في غزة؟ لقد سأل سيدنا داوود عليه السلام قائلاً: “هل أنت معي ضد الفلسطينيين لكي نأخذ أبقارهم وأرضهم وبناتهم!”.
فقال له الرب “أنا معك. ما تخافش” أعني هكذا باللغة العبرية الفصيحة. ولقد اقتسم الرب أبقاركم مع نبيه واقتسم أمهاتكم أيضاً، العذراء يتسلى بها أبناء الرب في الليل، والعجوز تخدم أبناء الرب في النهار وتمسح لهم الكندرة.
“أنا معك. ما تخافش” يقول الرب لسيدنا داوود في بعض الأحيان لكي يشد قلبه ضد الفلاحين البسطاء، وفي أحيان أخرى يفعل الرب كل شيء بنفسه دون أن يكلف حبيبه داوود مشقة التعب كما حدث في معركة الرفائيين، فاسمع بنفسك أيها الصديق غير المقدس الذي أعرفه في غزة، ماذا فعل الرب من أجل أطفاله المقدسين في معركة الرفائيين ” ..ثم عاد الفلسطينيون فصعدوا أيضاً وانتشروا في وادي الرفائيين، فسأل داوود من الرب فقال:
” لا تصعد بل در من ورائهم وهلمَّ عليهم مقابل أشجار البكا. وعندما تسمع صوت خطوات في رؤوس أشجار البكا حينئذٍ احترس لأنه إذ ذاك يخرج الرب أمامك لضرب محلة الفلسطينيين، ففعل داوود كذلك كما أمره الرب وضرب الفلسطينيين..”.
وصوت الخطوات وراء الأشجار يخص بالطبع الرب نفسه الذي يتسلل دائماً في سمواته ويزحف خفية في الظلام لكي يفاجئ الفلاحيين من الخلف، وعندما تحصل المفاجأة ويتوفر له عنصر المبادرة يمحوهم عن آخرهم بأسلحته الغير محدودة ويسوق أبقارهم إلى حظيره حبيبه داوود عليه السلام.
أف، أيها الصديق الذي أعرفه في غزة. إن الرب لم يكن يملك ثمة ما يفعله سوى أن يطارد مواطنيك في صحبة سيدنا داوود عليه السلام، ويمحوهم عن آخرهم، أعني هذا لله في لله، من دون بقية شعوب العالم، من دون بقية الناس الذين يملأون الأرض على امتداد المنطقة بين الصين وبين أمريكا لم يجد الرب إنساناً يستحق القتل سوى مواطنيك الشرفاء، وقد أبادهم عن آخرهم بأسلحته السماوية ورماهم بعد ذلك في نار جهنم بحجة أنهم يعبدون الأصنام وكان جميع الناس في العالم الأصنام، من الصين إلى أمريكا لم يكن ثمة أحد لا يعبد الأصنام، ولكن الرب لم يجد سوى مواطنيك الشرفاء لكي يبيدهم بأسلحته السماوية، ويسلط عليهم سيدنا داوود عليه السلام.
أف، أيها الصديق الذي أعرفه في غزة، لقد كان من سوء حظ مواطنيك أنهم اختاروا فلسطين محلاً لإقامتهم دون أن يتبرع أحدهم بأن يقرأ الفنجان ويعرف مقدماً أن سيدنا موسى عليه السلام يزمع أن يحرر أبناء الرب من قبضة فرعون ويقودهم عبر الصحراء إلى أول أرض خصبة تصلح لإقامتهم. لقد كان بوسعكم أن تعرفوا مقدماً أن هذه الأرض هي فلسطين لأن بقية المنطقة كلها صحراء، وتعرفوا أيضاً أن سيدنا موسى عليه السلام سيعطيها لأبناء الرب دون إذن منكم، وكان بوسعكم أن تتجنبوا الإبادة على يد الرب نفسه الذي تقدس اسمه في الأعالي.
أف أيها الصديق الذي أعرفه في غزة، لماذا لم تتعلموا قراءة الفنجان أو على الأقل قراءة الكارطة، فقد كان من الواضح أن بني إسرائيل سيخرجون من مصر عاجلاً أم آجلاً، وكان من الواضح أن موسى عليه السلام لن يطلعهم من مصر لكي يرميهم في الصحراء ويتركهم يموتون بالعطش، الرب ليس باهظ الثمن إلى هذا الحد ثم إنه يملك المقلاع.
وقد أعطاه لسيدنا داوود عليه السلام، لقد كان بوسعكم أن تعرفوا ذلك مقدماً من الفنجان، وتعرفوا أيضاً أن سليمان سيأتي في أعقاب داوود عليهما معاً كل السلام ويأتي قبلهما إلياس عليه السلام ويعقوب عليه السلام ويوسف عليه السلام، وأن الرب سيقف بجانب أبنائه إلى آخر قطرة من دمه ويأخذ أبقاركم وعجائزكم ويقتلكم بيده ويلعنكم ويحملكم أيضاً إلى النار.
لماذا لم تتعلموا قراءة الفنجان؟
لماذا لم يقف بينكم رجل عاقل ويقول لمواطنيكم: “احترسوا من الرب، احترسوا من سيدنا موسى عليه السلام، إنه قادم من مصر ممتلئ الجراب بالمن والسلوى وإذا لم تطعمه السماء إلى الأبد فإنه مضطر إلى أن يأخذ حقولكم وأبقاركم، احترسوا من داوود عليه السلام الذي يملك مقلاعاً سماوياً. احترسوا من سليمان عليه السلام الذي لا يملك المقلاع فحسب بل يملك أشياء أخرى أكثر تعقيداً.
لقد كان الفنجان قادراً على إنقاذ شعب فلسطين. وكان بوسع الفلاحين البسطاء الذين حملهم الجهل وحده للإقامة في تلك المنطقة أن يتجنبوا الموت على الأقل، ويذهبوا لملاقاة سيدنا داوود في صحراء سيناء ويقبلوا الأرض بيم يديه ويقولوا له بلسان السماء المعترف به:
“شالوم يا أصحاب المقلاع. نحن نعرف كل شيء مقدماً، ونعرف أن الرب أعطاكم أرضنا، فليتقدس اسمه في الأعالي، إننا لا نزمع أن نخالف أوامره بالطبع، تفضلوا أقتلونا عن آخرنا..”
أف أيها الصديق الذي أعرفه في غزة. ما الذي دعاكم إلى قتال سيدنا داوود وسيدنا موسى وسيدنا سليمان، ألم يكن بوسع أحدكم أن يحدس أن أنبياء الرب يملكون المقلاع.
الصادق النيهوم
1970

Robinson_Cruose_1719_1st_edition

لاشك أن التربية والتنشئة هي عصب التنوير..
وهو شيء بالتأكيد لم يكن خافياً على أوائل التنويريين في عصر التنوير الأوروبي..
ولذلك فإن معظم التنويريين قد كتبوا كثيراً عن التربية والتنشئة، وأهتموا بها، وألفوا كتباً تهتم بشكل خاص بهذا الموضوع المهم..
وهو ما خلق فيما بعد التغيير الكبير للمجتمع الأوروبي اللذي قام على أكتاف هؤلاء المفكرين العظام..
فجون جاك روسو صاحب ” العقد الإجتماعي” كان من أهم كتبه كتاب “إيميل” تربية الطفل من المهد إلى الرشد، وفيه يعزز روسو فكرة الحرية وإستقلال الفرد وجدوى العلم للنشء..
أما جون لوك أحد فلاسفة الكبار لعصر العقلانية فقد كان له كتاب مهم بإسم “أفكار عن التربية” يحث فيه على أن يعامل الأطفال كالكبار، كائنات عاقلة وحرة، وغير خاضعة للتوبيخ والتخويف المستمر.. ومن هنا كان للوك وروسو الأثر البالغ في تشكيل النظرية التعليمية الجديدة..

وخلال المئة العام القادمة من الثورة التربوية التي حملها التنويريين.. سيشهد المجتمع الأوروبي تحولاً خطيراً في تكوين الطفل الأوروبي ومن ثم الإنسان الأوروبي..

فتوقفت العائلات الأنجليزية الإستقراطية عن إستخدام سيور الجلد “التي كان يشد الطفل من كتفيه في أثناء تدرجه نحو المشي“.. وفطمت الرضاعة في وقت أبكر .. وتوقفت العائلات الإنجليزية والفرنسية على “تقميط” الأطفال، بل وصار تدريبهم على إستخدام المراحيض في وقت مبكر.. وهي علامات على التأكيد المتزايد للإستقلال..
المزيد من الإستقلالية ستظهر فيما بعد.. حق الطلاق .. إلغاء البكورية “حقوق إستثنائية للإبن الذكر الإبن”، إلغاء حق الآباء سجن أبنائهم، وأنشأ المشرعون الأوروبيون المجالس العائلية للإستماع إلى المنازعات بين الآباء والأبناء حتى سن العشرين.. ثم المساواة في الميراث بين الجنسين وتخفيض سن الرشد من 25 إلى 21 سنة..
إنتشرت أفكار التنويريين التربوية كالنار في الهشيم.. وتسربت أفكارهم إلى جميع نواحي الحياة، وقد بلغت هذه الأفكار ذروتها بظهور رواية “روبنسون كروزو” فقد كانت رواية دانييل ديفو التي كانت تدور عن حياة بحار أنعزل في جزيرة بعد تحطم سفينته، بمنزلة كتيب للتعليمات الأساسية عن كيفية تعلم الإنسان حماية نفسه وإعالتها، وكانت الرواية الأكثر مبيعاً في المستعمرات الأمريكية، فأصبح الإستقلال بفضلها فضيلة أساسية وعمل بطولي، بالإضافة إلى خطابات لورد تشيسترفيلد إلى إبنه، وكتاب جون جريجوري “إرث الأب لبناته” ..

*هذا البوست كتب بإقتباسات وإيحاء مباشر من كتاب “نشأة حقوق الإنسان” للكاتبة “لين هانت”..
** الصورة المصاحبة للبوست هي صفحة الغلاف لأول نسخة لرواية “روبنسون كروزو” التي نشرت لأول مرة سنة 1719 م..

يعمد البعض للتشويش على آراء الناس..
خاصة في ظل إختلاط المصطلحات والمفاهيم..
ومن هنا توجد الضرورة لإعادة الفهم وضبط المصطلحات..
ولذا نعيد ونكرر لكل ذي عقل حصيف..

secular-state

العلمانية” ليست دين له نصوص مقدسة يحتكم إليها العلمانيين..
ليس لها رسول أو نبي يقدّس كإله.. وليس لها صحابة معصومين وممنوعين من النقد..
وبالتأكيد لا يوجد “دار الإفتاء العلمانية” التي تتحكم في الخطاب العلماني وتصدر الفتاوي العلمانية..
العلمانية” ليست أيدولوجية.. فهناك العلماني الرأسمالي والعلماني الشيوعي والعلماني القومي والعلماني المسلم..
العلمانية” هو مصطلح سياسي يعني أن المشرّع من حقه مناقشة أي تشريع ينظّم دولته، أي أنه لا يوجد تشريع فوق سلطته بإعتباره مقدساً لا يجوز مناقشته، وهذا هو معنى مصطلح “فصل الدين عن الدولة”..
ومن هنا كان من الطبيعي أن تكون علمانية “ماليزيا” تختلف عن علمانية “فرنسا” التي تختلف عن علمانية “تونس”..
لأن ببساطة الشعب هو من يشكّل دولته في الدول العلمانية.. حسب هويته ودينه وعاداته وتقاليده.. مع الحفاظ على حقوق الأقليات في إعتناق دياناتهم والمحافظة على هويتهم وعاداتهم في معنى أعمق للدولة الحديثة..
ولذا يصبح من السطحية أن نقول “العلمانية هي سبب الحروب والقمع والدكتاتورية”..
فلا يمكن أن تلصق بالعلمانية أخطاء وشرور كل الأفكار البشرية بإعتبار أنها ليست أفكار إلهية فهي بالضرورة علمانية..!!
وإلا فهتلر علماني وستالين علماني وهولاكو علماني والمجرمين حول العالم كلهم علمانيين لأنهم لا يقتلون بإسم الدين !
فالعلمانية قد توجد في نظام ديمقراطي، وقد توجد في نظام ديكتاتوري، لأن العلمانية فعل “سلبي” ينزع القدسية فقط لما تسببه من كوارث ونزاعات.. ولكنه ليس فعل “إيجابي” بمعنى يحمي من أو يحرض على الحروب أو القمع أو الدكتاتورية..
وبشكل أكثر وضوح.. نعم.. يوجد ديكتاتور علماني.. ولكن ليست العلمانية هي سر ديكتاتوريته أو دمويته..
فلا توجد آيات علمانية تقول “قاتلوا الذين آمنوا بالله واليوم الآخر”، ولا يوجد لديها كتاب أحمر أو أخضر أو أزرق تستطيع أن تستمد منها أيدولوجيتها.. فهي ليست أيدولوجية كما قلنا وليست دين..
ولهذا تجد أن الدول العلمانية بوجود روافد كالمواطنة والعقد الإجتماعي والديمقراطية وحقوق الإنسان تحقق المساواة بين المجتمع بما فيهم المؤمنين وتبني لهم دور عبادتهم وترعى مؤسساتهم الدينية لأن العلمانية ليست ضد الدين أبداً كما هو واضح، أما الدولة الثيوقراطية فهي قائمة على مبدأ اللامساواة في الأساس..

ولذلك يصبح من العبث أن تقنع شخصاً غير مؤمن بـالمساواة و”حق الإنسان في إختيار أفكاره وقناعاته وما يؤمن به” بالعلمانية .. فهو يرى بما لديه من نصوص إلهية مقدّسة أنه له الحق في فرض الأفكار على الآخريين، بل وقتلهم إن لم يؤمنوا بها، وبالتالي فهو يؤمن بأنه الحقيقة المطلقة وأنه الأصح رأياً وأنه هو القانون الأفضل..وللحديث بقية..

human-rights

أحكام الشريعة الإسلامية هي الأحكام المستمدة من القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة، وهذا كلام أعتقد متفقين فيه كلنا ..
ما نبيش أناقش شن معناها إجماع علماء الأمة في أمة أصبحت عشرات الأمم والملل والنحل، وما نبيش أناقش من هم المخولون وما هي صلاحياتهم ومن يعينهم.. لنتجاوز الموضوع مؤقتاً..

1ـ حضر العبودية وشبه العبودية
( العبودية غير محرمة في الإسلام )

2ـ حظر التعذيب والعقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة
( قطع اليدين والجلد والصلب عقوبات قاسية ولا إنسانية )

3- حظر العنف بكافة أشكاله .
( جواز ضرب المرأة للتعزير من قبل الزوج : القرآن : (واللاتي تخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)
السنة :
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) . رواه مسلم ( 1218 ) .

4ـ الحق في المساواة بين المواطنين والمواطنات
( المرأة غير مساوية في الرجل في الشريعة في الشهادة والميراث والقوامة وحرية الزواج والطلاق وتولي المناصب بما فيها منصب رئاسة الدولة وهناك من يسوق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة لعدم خروج المرأة من بيتها والقيادة والإختلاط والعمل وكلها بنصوص وأدلة من الكتاب والسنة)..

5ـ الحق في التعليم وإنفتاح مؤسسات التعليم على كافة التجارب الإنسانية.
ـ ضمان الحرية الأكاديمية والحق في تتبع المعرفة لذاتها.
( تحريم دراسة العلوم المنافية للعقيدة الإسلامية مثل نظرية داروين والإنفجار الكبير وغيرها من النظريات التي لا تتوافق مع الرؤية الإسلامية )

6ـ تكفل الدولة لكافة المواطنين والمواطنات الحق في التنقل وعدم جواز منع الإقامة أو التنقل أو فرض الإقامة الجبرية إلا بأمر قضائي، وحرية السفر ولا يكون المنع من السفر إلا بأمر قضائي.
( الأصل أن لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لتوافر الأدلة من السنة على ذلك ومنها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم, ولا يدخل عليها رجل إِلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال: اخرج معها” (البخاري 1763).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم”(البخاري 1038، مسلم 1339).

7ـ الأفكار حرة طليقة وتضمن الدولة التعبير عنها .
( حرية التعبير غير مكفولة في الشريعة الإسلامية )

8ـ حرية التعبير والفكر والإبداع
( الموسيقى والفن والمسرح والرقص محرمان بأدلة شرعية كثيرة ).

9ـ حظر القذف والتشهير والتحريض على الكراهية والعنصرية والعنف وحظر التكفير .
( ………….)

10ـ لكل مواطن الحق في اختيار توجهاته السياسية وتضمن الدولة حق تشكيل الأحزاب السياسية والإنضمام إليها .
( هل تسمح الشريعة بتكوين والإنضمام إلى الأحزاب الليبرالية والعلمانية والشيوعية ؟؟ )

والآن .. ما الحل ؟؟؟ هل هناك حل ما لهذه المعضلة ؟؟ وهل تطلب منّا التخلي عن الشريعة الإسلامية ..!!

الحقيقة إن الحل شبه صعب لأن الشريعة الإسلامية لم يتم تجديدها منذ قفل باب الإجتهاد.. وما هو موجود من إجتهادات فقهية لا تواكب أدنى سقف في بنود الحريات والحقوق التي توصل لها الإنسان .. مع أن هناك إجتهادات فقهية حديثة للشريعة الإسلامية ترتقي بها لمصاف هذه الحقوق والحريات وهم أنطلقوا من قاعدة أن النص متغير وأن العقل مقدم على النقل وإعمال مبدأ التأويل ولكن المجددون شبه منبوذون من جل علماء ومذاهب الإسلام الحالية وليس لهم صوت.. في حين تسيد المشهد للمذاهب المتشددة والتفسيرات السابق ذكرها..

Image

” إن لم يكن لي حق إختيار ديني فكيف أكون حراً”

 من هذه الأساسية البسيطة ننطلق، هذا هو جوهر الحرية، فالدين يشكل نمط العيش الذي يحياه المرء في حياته كلّها ، حرية التفكير ، حرية إتخاذ القرار ، حرية التراجع ، حرية التعبير عن أفكاري التي تجول بخاطري ، إن لم يكن هذا هو جوهر الحرية فما هي الحرية أصلاً ..

يوم التدوين العريي عن الحق في حرية العقيدة خطوة ممتازة في مسار الحريات في محيط الدول الناطقة بالعربية، لا يخفى على أحد التغيرات السياسية والثقافية التي تشهدها بعض هذه الدول بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، ثورات رفعت شعار الحرية .. الحرية من الظلم .. الحرية من القهر ، الحرية من تكميم الأفواه ..

المسار صعب وليس هين، ولكن خطوة خطوة، وبتوسع العقلانية في حياتنا اليومية سنجد أننا سنصبح نفكر بمنطقية، والمنطق يقول أن الإنسان ولد حراً ، حراً بأفكاره ، حراً بمعتقداته ، حراً بديانته ، الأهم أن يجمعنا الحب والخير والمساواة والإنسانية ، لا نؤذي أحداً ، لا نتجبر على أحد ، ولا نقصي أحداً ..

الإختلاف سنة الحياة ، ووجود تنوع الأفكار سيفيد أي شعب ، وأي دولة ، لكي تختار الأصلح والأنسب لها ، تنوع الأفكار ينضجها ويبلورها بشكل أفضل، ويدفعها للأمام، هذا هو ما يدفع لتطور المجتمعات سواء إجتماعياً أو إقتصادياً أو سياسياً ..

دائماً ما كان لي رأي أقوله في كل مكان ، السر في كل حضارة يكمن في توفر شيئين أثنين فقط ” حرية الإعتقاد ، الترجمة ” .. بهاذين الإثنين تنشأ الحضارة فحرية الإعتقاد تنشيء المساواة والسلم الإجتماعي والترجمة تحقق الثورة العلمية والثقافية ، وبهذا ترقى الأمم ..

سعيد أنني شاركت في هذا اليوم ..

 

tatarof

أفق أيها التيار المدني ..

لو كنت تظن أن الحرب بين المليشيات الإسلامية وبين القوى المدنية هي أن يصطف كل حشد في جانب ، والمليشات تقول الله أكبر رافعة علم القاعدة بينما القوى المدنية تقول أسلمي رافعة علم الإستقلال فأسمح لي بأن أخيب ظنك وأقول لك بأن هذا لن يحدث ، لو كنت تنتظر بأن يخرج قادة هذه المليشيات في مؤتمر صحفي لكي يقولوا ” إنتم أيها الليبيون في نظرنا كفرة ، ونحن لا نريد جيش ولا شرطة وهم بنظرنا أجهزة كافرة .. بلا بلا بلا ” فأسمح لي بأن أقول لكم أفيقوا من أحلامكم ، لأن هذا لن يحدث ، فالصراحة والمكاشفة ستكون أبعد مما تتوقعون، وسيكون عنوان اللعبة هو التسمي بمسميات أخرى ، فبينهم وبين أنفسهم سيقولون ..فلان الفلاني كافر ، ولكن أمامك سيقولون هذا أزلام ، بينهم وبين أنفسهم سيقولون جهاز الشرطة كافر ، ولكن أمامك سيقولون جهاز ممتليء باللجان الثورية ، سيحاولون إقصاء كل ما هو عكس تيارهم ، وسيكون إسم اللعبة ” العزل السياسي ” ..

 
أفق أيها التيار المتشدد ..

 
أفق من هذا الحلم المريض الذي يكبّلك ويدفعك للخلف ، ويجعلك تبرر القتل والكذب والمعاداة والخيانة ، ” تطبيق الشريعة الإسلامية ” ، عن أي شريعة تتحدث ، عن أي وهم ، تلوك هذه الكلمة، وأنت ليس لديك أي تصوّر واضح لهذه الدولة المشوهة التي تنادي بها ، ليس لديك أي أفكار عن ماذا تصبح هذه الدولة المسماة ليبيا في العالم الحديث ، هل تعتقد أننا منفصلون عن هذا المسار التاريخي لدول العالم ، أنك تعيش وسط 230 دولة مدنية وبضع دويلات دينية حالتها أقرب إلى المأسآة في كل جوانب حياتها ، أم أنه لا يوجد لديك سوى الخطاب الحماسي عن كيف سندمر الدول الكافرة بضربة واحدة ، صدقني لن ينتج عن هذا الصراع الذي تعتقد أنك ستنتصر فيه على كل العالم بما فيه أبناء بلدك سوى بلد مدمّر ، ديكتاتوري ، مليء بالخراب ، والقتل والكراهية ، ومع ذلك ، لا تطبق فيه الشريعة .. وهذا ليس توقعاً مني ، بل نتائج رأيناها في كل البلدان التي أنهجت هذا المسلك .
الحرب بدأت ، وعليك لكي تفهم ما يحدث أن تقرأ بين السطور ، لكن قبل ذلك عليك أن تفهم شيئاً واحداً فقط ، الثورة الليبية إنتهت للأبد .. وما بعد ذلك هو حرب وثورة أخرى ..

 

في إنتقال الدول العربية من دول الإستبداد والطغيان إلى دول الديمقراطية والحريات ، يتفقد المواطن الحر لأول مرّة آليات هذه الدولة الديمقراطية الجديدة التي تعد بالحرية والعدالة ، ويقارنها مع من سبقته من دول العالم الأول ، فيتعرف لأول مرة عن مفهوم الفصل بين السلطات الثلاثة ، والمحكمة الدستورية ، وحرية الصحافة ، ومؤسسات المجتمع المدني ، ولكنه يقف أمام منصب وجهة لا يجدها في هذا الدولة .. إنه ( منصب المفتي ) ..!!

وحين يعود المسلم إلى المرجعية الإسلامية لا يجد هذا المنصب موجوداً ، وليس له أي تأصيل إسلامي ، فالقاعدة الفقهية تقول لك : (  استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك ) ، و (اسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، فمن أين جاء منصب المفتي ؟ ، وما هو أصله التاريخي ؟

الحقيقة تقول أن أصل منصب المفتي بدأ في الدولة العثمانية ، ولم يكن موجوداً قبلها أبداً ، فحينما استقرت الأمور بالدولة العثمانية وجهت عنايتها الخاصة على تنظيم الفقه، فاتخذت المذهب الحنفي مذهباً رسمياً، وأنشأت محكمة عليا لتطبيق الفقه في أعمال الدولة ومراقبة أعمال القضاة، وأنشأت منصب المفتي الأكبر وجعلته من أرقى مناصب الدولة، وكان يلقب شاغله بشيخ الإسلام. ولم يعرف بالضبط متى أنشئ هذا المنصب في البلاد العثمانية، لكن المؤرخون مجمعون على أنه كان موجوداً في عهد السلطان سليمان القانوني الذي حكم من 1520-1561.

إذن لماذا هذه القدسية على منصب المفتي ! ، ولماذا يحارب كل من يكون ضده ، ولماذا أصبح وجود منصب المفتي في هيكلية الدولة المسلمة كأنه شيء ملزم ولا يمكن مناقشته ، هل من صالحنا في المستقبل وجود هذا المنصب الذي أستخدم سابقاً في أغراض سياسية ، ولا زال حتى اليوم يستخدم في هذه الأغراض ! ، ما الذي سيضر المشهد الإسلامي لو قمنا بإلغاء هذا المنصب المحدث وعدنا إلى فطرة الإسلام الأولى حين كانت لك الحرية في إستفتاء من تراه مناسباً ثم  يقول أستفت قلبك.. أترك الإجابة لكم


بعد دروس تاريخية قاسية تعلّم الإنسان الحديث الدرس ..

وهو أن السلطات المطلقة هي التي تصنع من الأشخاص  ما يسمى بالديكتاتور ، ولكي نصنع مجتمع حر لا يُمارس فيه الظلم  على أي أحد ، توصلوا إلى حل متميز ، وهو (تقسيم السلطات) وجعلها تراقب بعضها البعض .. لقد إنتهت الفكرة الأسطورية التي تسمى بـ (الحاكم العادل) للأبد ، فلا وجود لشيء أسمه حاكم عادل ، ولا ضمانات مع شخص يستطيع أن يفعل ما يشاء وفقاً لأهواءه البشرية ، ولا مزيد من المراهنات مع القدر والتاريخ مرة أخرى ..

في مصر الآن ، تدور هذه المعركة بالتحديد مع مرسي رئيس من جماعة الإخوان المسلمين ، الجماعة الثيوقراطية ، فالرئيس يحاول أن يعطي لنفسه صلاحيات وسلطات مطلقة ، ويقول لهم ثقوا بي ..! لن أصبح ديكتاتوراً ، وليس بهكذا تدار الأمور ، فرئيس يحمل سلطات ثلاث في يده .. تنفيذية وتشريعية وفوق قضائية .. سيصبح ديكتاتوراً ليس برغبته ، ولكن طبعاً لقوانين النفس البشرية ..

في ليبيا نجد حالات مشابهة لهذه السلطة المطلقة ، ولنأخذ مثال بسيط وهو أجهزة الأمن المتمثلة الآن في اللجنة الأمنية العليا والنواصي وما إلى ذلك ، والسؤال هو ، ما هي السلطة المراقبة والملجمة لسلطة رجل الأمن الآن ، رجل الأمن الآن يحس بسلطة مطلقة فهو يوقف ويعتقل ويحبس بدون أي مراقبة ، وهو ما يعطيه شعور بالقوة والزهو يحوله إلى ديكتاتور صغير يمارس ديكتاتوريته على المواطن الليبي في الشارع ، وهنا نفقد الإحساس بالعيش في دولة الحريات .. على هذا الجهاز أن يتم لجمه سواء بتفعيل القضاء الذي يحاسبه لو أخطأ ، ولجمه أيضاً بمؤسسات حقوق الإنسان ومراقبة سلوك رجل الأمن في ليبيا ، وزارة الداخلية لابد من لجم سلطاتها المطلقة في الشارع ..

خلل آخر في ليبيا وهو أننا لدينا ضعف واضح في السلطة القضائية للبلاد ، وكأنها لا تعامل كأنها سلطة ثالثة مستقلة توازي التشريعية ، أيضاً على السلطة التنفيذية أن لا تعين من قبل السلطة التشريعية حتى لا تحس أنها تحت رحمتها .. لابد أن يتم إنتخابها إنتخاب مباشر من الشعب .. لابد للسلطات الثلاثة أن تكون مستقلة تماماً وتراقب بعضها البعض ، الآن المليشيات تشكل ضغط على السلطة التشريعية ، لكن متى ينتهي هذا الضغط فالسلطة التشريعية ستتغول ..

الملخص هذه قاعدة دائمة وأبدية .. كل شخص يمتلك سلطة لابد أن يلجم ويحدد بسلطة فوقه تراقبه وتمنعه من أن يتصرف بدكتاتورية ، وقس هذه القاعدة من رئيس الجمهورية حتى رجل الأمن البسيط الموجود في الشارع ، السلطة المطلقة تصنع الديكتاتوريين ، نقطة إنتهى.

لعل أغلبكم الآن نسي أو تناسى قضية ( أحمد بو خذله المغتصب ) ، بعد هوجة الحديث عن القضية والإستنكار ، وبعد الهبة العاطفية التي نبرع فيها دون أي عمل أو حتى على الأقل تحليل القضية ومناقشة المشكلة ، ونقنع أنفسنا في الأغلب أنها حالة فردية ، ولا تعبر عن مشكلة حقيقية في هذا المجتمع الطاهر المحافظ المنزه عن الأخطاء ..

أولاً  لحل المشكلة علينا بالإعتراف بالمشكلة أولاً ، فالإعتراف بالمشكلة هو نصف الحل كما يقولون ، علينا أن نخرج من نغمة أننا شعب الله المحافظ ، وأننا ـ أي الشعب الليبي ـ شعب المليون حافظ ، وأنه لا يأتينا الباطل من أمامنا ولا من خلفنا ، وأن ما يحدث من أخطاء وإنحطاط أخلاقي هو في الأغلب أشياء موفدة من الخارج ، وذو أصول غير ليبية ، إن الملاحظ للمجتمع الليبي في العقد الأخير يوقن أننا نعاني من منظومة أخلاق متدهورة وفاسدة بشكل واضح، ويكفي القيام بجولة قصيرة في الشوارع والجامعات والأسواق المزدحمة لتصل لقناعة بأن منظومة الأخلاق منهارة تماماً مثلها مثل اي شي أخر..

هل عمركم شفتوا دعاية على الأخلاق في التلفزيون، دعاية على الصدق، على نبذ السرقة وتجريم التحرش والإغتصاب ..؟ من الواضح أن هذه القيم غائبة كلياً عن مجتمعنا ، ورغم كل المظاهر المحافظة والمتدينة للمجتمع الليبي إلا أنه يتضح إنه متدين تدين فارغ ، تدين يركز على جوانب ويغفل جوانب ، فأصبح حل زيادة الوازع الديني لدى الناس وسط إختزال خاطئ للدين وإهماله لقيم جوهرية وإنسانية ، أشبه بالنفخ في قربة مثقوبة ، وبات وجود حل جذري لمجتمع فيه تنوع بين المتدين واللا متدين مسألة ملحة ..

الحل ببساطة شديدة هو إعادة التربية الأخلاقية والقيم الأخلاقية إلى المجتمع الليبي عن طريق منهج علمي صارم، بعد أن غابت هذه القيم لسنوات، منهج علمي تتكاثف فيه جهود الخبراء النفسيين وعلماء الإجتماع ويشترك فيه الإعلام والمنظومة التعليمية  والنشأة في المدارس وحتى الدين المبني على المنهج السليم .. فلابد من تدمير هذا الجسم المشوه والذي يرتكز على  قيم أخرى في عالم موازي قوامها العيب والفضيحة .. ويهمل القيم الأخلاقية الأساسية التي تمتلكها معظم المجتمعات المتحضرة .

أعرف أن فيديو احمد بوخذله المغتصب مؤلم جداً ، كلنا تألمنا ، لكن الألم والسب لن يفيدنا بشيء، لابد من العمل ، ولابد من الإنضمام جماعات إلى مؤسسات حقوق المغتصبات وحقوق المرأة وكل المؤسسات الحقوقية، حتى يعلم الليبي والليبية أن هناك من يقف معه..  فيديو #احمدبوخذله_المغتصب ، وفيديو #الفيديو_الذي_أذهل_العالم يمثلان نقيضين هذا المجتمع، الرائع والحقير ، لا تفقدوا الأمل ولا تصمتوا عن الظلم لأن  كل ما يتطلبه الطغيان للوجود هو بقاء ذوي الضمير الحي صامتين .

 

الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى..

“أنطون سعادة”

لوحة جبل سيناء للفنان إلجريكو

لوحة جبل سيناء للفنان إلجريكو

في الدين الإسلامي ، يخصّ الله نبي واحد في البشرية كلها للتحدث معه هو النبي ” موسى ” الذي لقب بكليم الله ، وهو يعتبر الإتصال الوحيد لله بعد ” آدم ” قبل أن ينزل الأرض حيث كان يكلمه مباشرة :{قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} . أما في المسيحية ، فقد أكّد على ذلك أيضاً بإعتبار أن موسى كلّم الله عبر ملاك وسيط ، أو مباشرة مع الله  : ” فقاد موسى الغنم إلى جبل سيناء.  وتجلى له ملاك الرب بلهيب نار وسط عليقة لا تحترق. وناداه الله من وسط العليقة قائلا” سفر الخروج 3 و ” فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى ” سفر الخروج 7 ، بل إن الله كتب له الوصايا العشر بيده .
وبإعتبار أن الدين المسيحي يؤمن بأن الله هو عيسى ، وعيسى هو الله ، إذن فإن الديانات الثلاثة كلها تؤمن بأن النبي الوحيد الذي كلّمه الله دون وسيط هو ( موسى ) نبي اليهود ، فلماذا ( موسى ) بالذات ! ، لماذا لم يرى الله ( خاتم المرسلين وسيد الخلق محمد ) ، ولماذا لم يتواصل معه المسايا .. نبي الله عيسى .. لماذا لم يتواصلوا معه إلا من خلال وسيط فقط ..
 وبينما لا يعطي لنا القرآن أي تفسير حول هذا التمييز ، يقول لنا كهنة الإنجيل أنه حصل على هذا اللقب لأنه أطاع الله ونفذ أوامره، فأستحق أن يَنعم بالحديث مع جلاله، لكن هذا كلام غير منطقي ، فمحمد وعيسى أيضاً أطاعوا الله ونفذوا أوامره ..
ولكن كما يبدو ، وكإستنتاج من قصة موسى الموجودة في القرآن والإنجيل ، فإن النبي ( موسى ) كان هو أكثر الأنبياء شكاً في وجود الله ، وأكثرهم تفكيراً وتأملاً ، لذلك خصّه الله بهذه الخاصية لكي يجعله يقطع الشّك باليقين ..
 وهناك يبرز سؤال مثير آخر ، ما هي اللغة التي كلّم الله بها موسى ، ما هي اللغة التي نطق بها الله في حدث إلهي لم ولن يتكرر ، وهنا تبرز نظريات عديدة في محاولة معرفة اللغة التي كان يتكلم بها موسى في ذلك الوقت ، ولكن معظم المحاولات جاءت للأسف فقط لكي يضيف كل شخص قداسة على لغته ، فالدكتور وسيم السيسي يقول في مقالة نشرت قبل مدة قصيرة في مقالة بعنوان ” اللغة التي تكلم بها الله ” في المصري اليوم أن  (( إن موسى ولد فى مصر، ونشأ فى مصر، وتثقف فى مصر، وتدرج فى مختلف الوظائف العسكرية، كما يحدثنا المؤرخ اليهودى «يوسيفوس فلافيوس» أن موسى كان ضابطاً فى الجيش المصرى، ولم ير فلسطين، وتوفى قبل أن تظهر العبرية إلى الوجود بأكثر من قرن، فلغته كانت ولا شك اللغة المصرية القديمة ، وبالتالى فقد كتب الله لموسى الوصايا العشر بالكتابة الهيروغليفية، أو النقش المقدس، كما يسميها اليونانيون، وهى حقاً لغة مقدسة وجب علينا أن نتعلمها لأنها اللغة الوحيدة التى نطق بها الله لأحد أنبيائه، وهو النبى موسى ))
من جهة أخرى يقول ( عبد المجيد العرابلي ) أن الله كلّم موسى باللغة العربية الفصحى ، وإن موسى قد تعلّم العربية عندما مكث في قرية ” مدين ” ، وهي القرية التي لاقا فيها بنتي ” شعيب ” ، وتزوج إحداهما ، {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } ، وقد كانوا من العرب ، ويقال أن الأنبياء من العرب خمسة هم : هود وصالح وإسماعيل وشعيب نبي مدين، ومحمد، لكن كما قلت ما زلت أجدها محاولات فقط لتقريب كل شخص فيهم للغة المقدسة التي تكلم بها الله إلى لغته .
وعدا موسى الذي تخاطب مع الله بشكل سمعي فقط ، فإنه لا أحد من الأنبياء قد رأى الله رؤيا العين أبداً ، وحتى في قصة ” الإسراء والمعراج ” فإن محمد لم يثبت عليه إنه رأى الله في تلك الرحلة ، أما موسى فإنه حينما طلب من الله أن يريه إياه ، فنزل الله على الجبل فأصبح الجبل كومة من التراب ولم يستطع موسى أن يراه {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.
إذن جميع الأنبياء والمرسلين ـ بإستثناء موسى ـ كانوا يتلقون رسالتهم عن طريق وسيط ، وهذا الوسيط كان في كل مرّة هو الملاك ” جبريل ” ، ولم يُعرف أن كان الوسيط بين الله ورسله ملاك آخر ، فهو من أنزل على محمد الوحي ، وهو من تجسد للسيدة مريم وطمئنها ، وهو من كان شعلة النار لموسى ، وهو الذي أخبر نوح بأن يصنع السفينة ، وهو الذي تشكّل مع بعض الملائكة على هيئة رجال حسني لينزلوا في منزل لوط في قصة النبي لوط الشهيرة ..وهو كذلك الذي أهلكهم ..
 إذن الملاك ” جبريل ” هو ربّما أكثر شخصية محورية وهامة في سيرة الأنبياء، وهو يكاد يكون المفوّض الوحيد، وجهة الإتصال الوحيدة بين الله وبين أهم أفراد في بني البشر ” الأنبياء ” المكلفين بإرسال رسالة الله وتعاليمه إلى باقي البشر ، الجدير بالذكر ، أن جبريل هو أحد آخر أربعة كائنات ستموت قبل ( إسرافيل وميكائيل وملك الموت ” عزرائيل ” ..

* فصل من كتاب قيد الكتابة بعنوان : ( ما لم يروى من قصص الأنبياء ) => تأملات فكرية في قصص الأنبياء من المنظور الإسلامي والمسيحي واليهودي .

** إلجريكو : أضغط ( هنا )  لمعرفة المزيد .